الفتاوى الشرعية

2025-07-21 10:13:24

هل الغترة أو الطرحة هي الطيلسان المنهي عنه؟

السؤال: 979/ الفروع: كتاب الصلاة، شروط الصلاة:
جاء في الفروع:
"وفي كراهة الطيلسان وجهان، ويسن الرداء وقيل يباح" الطيلسان هل هو الغترة أو الشماغ، وهل هو الرداء أو الطرحة، وهل هو التقنع (هذا رسول الله مقبلاً متقنعاً) وما الفرق بين الطيلسان المقور والمدور؛ إذ كرهوا المقور.
وكذلك قال السيوطي فيما نقل البهوتي أنه سنة، وقد رد بذلك على ابن القيم، وجعل الطيلسان والتقنع واحدا، ومن قبله فَرَّقَ ابن القيم بينهما ونفى لبس النبي للتقنع، أرجو بيان المسألة جزيتم خيراً.

أجاب الشيخ د. عبد الرحمن العسكر/ الحمد لله وبعد:
فحتى يمكن الجواب على السؤال أعيد ترتيبه ليسهل الجواب عنه، فيظهر لي أن السائل يسأل عن أمرين:
الأول: ما الفرق بين الطيلسان المقور والمدور وما هو المكروه منها، وهل يدخل في الطيلسان: الغترة والشماغ الذي يلبسه الرجال والرداء والطرحة مما تلبسه النساء؟
الثاني: هل الطيلسان هو التقنع (هذا رسول الله مقبلاً متقنعاً) وما الفرق بين الطيلسان والتقنع وما تخريج كلام ابن القيم في جعله الطيلسان والتقنع واحداً، وأنه لم يرد لبسهما عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتخريج كلام السيوطي فيما نقله عنه البهوتي بأن التقنع سنة؟
الجواب عن السؤال الأول: تكلم الفقهاء الحنابلة عن الطيلسان، وخاصة المتأخرين منهم، فتكلم عن أوجه الخلاف في لبسه المرداوي في "الإنصاف" وفي "تصحيح الفروع" (2/79) والبهوتي في "الكشاف" (2/174) وفي "حاشية المنتهى" (إرشاد أولي النهى) (1/ 175) وأطال في الكلام عليه السفاريني في "غذاء الألباب" (2/256-258) وأشار لمعنى الطيلسان ابن منقور في "الفواكه العديدة" وأحال لكلام ابن حجر في "تحفة المحتاج"
والخلاصة من كلامهم في حكمه ما ذكره البهوتي في الكشاف حيث قال: (و) يكره للرجل أيضاً لبس (طيلسان، وهو المقور) على شكل الطرحة، يرسل من فوق الرأس؛ لأنه يشبه لبس رهبان الملكيين من النصارى، وأما المدور فهو غير مكروه، بل ذكر استحبابه. وقد ذكرت كلام السيوطي فيه في "حاشية المنتهى" أ.هـ.
وقال في "حاشيته على المنتهى": الطيلسان المكروه هو المقور، قال الجلال السيوطي الشافعي ـ بعد ذكره النقول فيه ـ: فقد تبين بهذا القول أن كل من وقع في كلامه من العلماء كراهة الطيلسان، وكونه شعار اليهود؛ إنما أراد المقور الذي على شكل الطرحة، يرسل من وراء الظهر والجانبين من غير إدارة تحت الحنك، ولا إلقاء طرفيه على الكتفين.
وأما المدور الذي يدار تحت الحنك، ويغطي الرأس، وأكثر الوجه، ويجعل طرفيه على الكتفين، فهذا لا خلاف أنه سنة أ.هـ.
وقال الإمام القاضي أبو يعلى بن الفراء: لا يمنع أهل الذمة من الطيلسان، وهو المقور الطرفين المكفوف الجانبين الملفق بعضها إلى بعض، ما كانت العرب تعرفه وهو لباس اليهود قديماً، والعجم أيضا والعرب تسميه ساجاً أ.هـ.
فتبين بهذا: أن المكروه هو الطيلسان المقور، ومعنى كلمة المقور هو ما قطع مستديراً، وحتى يتضح معرفة علاقة الطيلسان بالغترة والطرحة فلا بد من وصف دقيق للطيلسان المقور الذي كرهه الفقهاء وأوسع من وجدته من الفقهاء تكلم عن وصف الطيلسان ابن حجر الهيتمي في مؤلف له مطبوع بعنوان "در الغمامة في دُر الطلسان والعذبة والعمامة" وأطال الكلام عن الطيلسان ثم لخصه في كتابه "تحفة المحتاج في شرح المنهاج" (3/36 ـ 39) ومما ذكره:
واعلم أنه كثر كلام العلماء قديماً وحديثاً من الشافعية وغيرهم في الطيلسان .... هو قسمان: محنك وهو ثوب طويل عريض قريب من طول وعرض الرداء على ما مر مربع يجعل على الرأس فوق نحو عمامة ويغطى به أكثر الوجه ـ كما قاله جمع محققون وظاهر أنه لبيان الأكمل فيه ويحذر من تغطيته الفم في الصلاة، فإنه مكروه ـ ثم يدار طرفه، والأولى اليمين كما هو المعهود فيه من تحت الحنك، إلى أن يحيط بالرقبة جميعها، ثم يلقى طرفاه على الكتفين، وهذا أحسن ما يقال في تعريفه ....... ويطلق مجازاً على الرداء الذي هو حقيقة مختص بما يجعل على الكتفين، ومنه قول كثيرين من السلف للمُحرِم لبس طيلسان لم يزره عليه.
ومقور والمراد به ما عدا الأول فيشمل المدور والمثلث والمربع والمسدول وهو ما يرخى طرفاه من غير أن يضمهما أو أحدهما ولو بيده، ثم ذكر تعريف القاضي أبي يعلى وشرحه.
فتبين من كلامه: أن طول الطيلسان المقور طول الرداء، وأنه لا يضم طرفاه أو أحدهما وهو بهذه الصفة لا ينطبق على الغترة والشماغ.
وأما الطرحة التي تستعملها النساء وهل هي من الطيلسان فقد أجاب عن ذلك ابن حجر الهيتمي في كتابه المذكور (ص 168) بأن الطيلسان هو الذي يشبه الطرحة لا العكس، وذكر أن الفرق بينهما عدم التحنيك فيهما، بناء على وصف أبي يعلى للطيلسان المقور.
تنبيه مهم: ذكر غير واحد من العلماء أنه لا وجود للبس الطيلسان الآن كما ذكره ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" والسيوطي في رسالته عن "الطيلسان" قال ابن حجر في "الفتح" (١٠/٢٧٥): وإنما يصلح الاستدلال بقصة اليهود في الوقت الذي تكون الطيالسة من شعارهم، وقد ارتفع ذلك في هذه الأزمنة فصار داخلاً في عموم المباح أ.هـ.
نشرت بتاريخ: الاثنين 10 / 3 / 2025 ـ 10/9/1446هـ.

 

مقالات ذات صلة