الفتاوى الشرعية

2025-07-21 10:17:42

حكم استعمال ماء زمزم في إزالة النجاسة ودليها

السؤال: 1007/ كشاف القناع: كتاب الطهارة، المياه:
جاء في كشاف القناع: 
"(و) كذا يكره (استعمال ماء زمزم في إزالة النجس فقط) تشريفًا له" في المسألة ثلاث استشكالات:

الأول: ما هو جنس دليل الحنابلة في كراهة إزالة النجاسة بماء زمزم؟ هل هو من باب المصالح؟ إذ أن الكراهة لأجل تعظيم الماء معقول المعنى، لكن إلحاقه بأحد الأدلة عسر علي.
الثاني: صرح البهوتي في "الكشاف" والشرح أن دليل الكراهة هي التعظيم والتشريف لماء زمزم، وتبعه في المطالب، وفي شرح ابن النجار على "المنتهى" جعل علة التعظيم دليلاً على الرواية بالحرمة، فقال "وكره بالبناء للمفعول منه أي: من الطهور ماء بئر ‌زمزم في إزالة خبث. وقيل: يحرم لتعظيمه وقد زالت نجاسته"(1/ 159) فهل التعظيم دليل للروايتين جميعا؟
الثالث: قال ابن النجار في شرح "المنتهى" وقيل: أن سبب النهي اختيار الواقف وشرطه" فإن صح هذا التخريج على شرط الواقف، فأليست مخالفة شرط الواقف محرمة؟ فكيف تكون إزالة النجاسة مكروهة وهي مخرجة على محرم؟ وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (12/ 600) "والصحيح: أن النهي من العباس إنما جاء عن الغسل فقط لا عن الوضوء والتفريق بين الغسل والوضوء هو لهذا الوجه فإن الغسل يشبه إزالة النجاسة" فهو صريح في تخريج المسألة على شرط الواقف.

أجاب الشيخ د. عبد الرحمن العسكر/ الجواب: الحمد لله وبعد:
فمسألة استخدام ماء زمزم في التطهير وغيره باعتباره ماء طهوراً له ثلاث حالات: إما أن يستعمل في إزالة نجاسة، أو في رفع حدث بوضوء وغُسل، أو في غيرهما، ومحل السؤال هنا في الحالة الأولى وهي استخدامه في إزالة النجاسة. 
وقد اختلفت الرواية في المذهب في ذلك، وأطلق ابن مفلح في "الفروع" (1/60-63) الخلاف في ذلك على روايتين، فقال: وكذا رفع حدث بماء زمزم، وقيل: يحرم كإزالة نجاسة في أحد الوجهين وحرمه ابن الزاغوني: حيث تنجس، بناء على أن علة النهي تعظيمه، وقد زال بنجاسته، وقد قيل: إن سبب النهي اختيار الواقف وشرطه أ.هـ.
الأولى: كراهية استخدام ماء زمزم في إزالة النجاسة، وهو المذهب كما جزم به في "المغني" و "الشرح" وغيرهم وجعله في النظم من المفردات، واستدلوا بقياسه على منع الوضوء باليمين بجامع التشريف لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال عن زمزم: طعام طعم وشفاء سقم، فكُره استعماله لما يُستقذر.
وقيل: بحرمة ذلك، وقال المرداوي في "تصحيح الفروع": ولم أر من اختاره، وإطلاق الخلاف من المصنف هنا فيه نظر؛ بل في كلامه إيماء إلى أن المقدم التحريم، فيحتمل أن يريد بقوله: فإن اختلف الترجيح من جهة الدليل، وهو خلاف الظاهر، أو يكون اطلع على كلام الأصحاب في هذه المسألة مما لم نطلع عليه، والمصنف له من الاطلاع ما ليس لغيره، وهذا أولى أ.هـ.
والثالثة: أنه يجوز ذلك، رجحها الموفق في "المغني" قال المرداوي في "التصحيح والإنصاف": قال في "التلخيص": وماء زمزم كغيره، وعنه، يكره الغسل منها، فظاهره، أن إزالة النجاسة كالطهارة به فيحتمل أن يكون فيه قول بعدم الكراهة، ويحتمله القول المسكوت عنه في "النظم" وقال ابن أبي المجد، في "مصنفه": ولا يكره ماء زمزم على الأصح أ.هـ.
ومن قال بهذا القول قال: إن شرف ماء زمزم لا يوجب الكراهة لاستعماله، كالماء الذي وضع فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كفه، أو اغتسل منه "المغني" (1/30).
وهناك قول لابن الزاغوني بتحريم رفع الحدث به حيث تنجس، بناء على أن علة النهي تعظيمه، وقد زال التعظيم بنجاسته.
ومنهم من علل النهي عنه قيل: إن سبب النهي اختيار الواقف وشرطه، لقول العباس: (لا أحلها لمغتسل، لكنلكن لمُحرِم حل وبلَّ).
وأجيب عن هذا التعليلين السابقين بقول الموفق: وقول العباس لا يؤخذ بصريحه في التحريم، ففي غيره أولى، وشرفه لا يوجب الكراهة لاستعماله، كالماء الذي وضع فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كفه، أو اغتسل منه أ.هـ.
وبناء على ما سبق فيتضح أن منهم من اعتبر الدليل على الكراهة هو القياس على منع استخدام اليمين في إزالة النجاسة بجامع التشريف والتكريم، ومنهم من حمل ذلك على التحريم بنفس الدليل السابق.
ومنهم من حمل التحريم في ماء زمزم، ليس على القياس؛ بل بناء على نهي العباس ـ رضي الله عنه ـ لأنه واقف للماء ويعمل بشرط الواقف واختياره.
كما يظهر أن الإشكال الثالث الذي ذكره السائل مقلوب: بل إنهم قاسوا النهي عن الغُسل بماء زمزم على إزالة النجاسة به، لا العكس، فمنعوا الاغتسال به وجوزوا الوضوء.
والله أعلم.

نشرت بتاريخ: الأحد 1 / 6 / 2025 ـ 5/12/1446هـ.

مقالات ذات صلة